الجمعة ,29 مارس 2024 - 1:13 صباحًا
الرئيسية / تقارير وتحقيقات / سلبيات انحسار القراءة عربيا

سلبيات انحسار القراءة عربيا

ليلى الشمري كاتبة من العراق –

في ظل اتساع استخدام وسائل الاتصال الحديثة، ومع تصدّر الدول العربية قائمة استيراد الأجهزة انحسر فعل القراءة بين فئات الشباب من كلا الجنسين. (خير جليس في الزمان كتاب) عجز من بيت  للشاعر أبي الطيب المتنبي لم يعد يمتلك التأثير السحري السابق، أجهزة الاتصال شغلت العقول والأذهان، ومناهج الدراسة لا تشجّع على القراءة.
من الشائع جدا في المدن العربية أن ترى الناس يحملون «آي فون» ويراجعون الفيسبوك، وينظرون في عناوين الكتب والصحف، ولكن لماذا لا ترى في أيديهم كتابا أدبيا أو علميا أو تاريخيا أو اجتماعيا وما إلى ذلك، أو حتى صحيفة أو مجلة؟ كم من أستاذ جامعي وطبيب ومهندس وأديب وحامل شهادة عليا لا يقرأ إلا الفيسبوك ولا يعرف من الكتب إلا الكتب «الرسمية» وملفات العمل والتقارير، وكم من كتب الثقافة العامة تنشر وتترجم وتباع وكم منها يقرأ فعلا بدلا من مجرد وضعها على رفوف المكتبة المنزلية للتباهي بها.
بين الجيل الجديد من العرب هناك من يستغل وقته في القراءة وكثيرين ممن يقضون وقتهم في الثرثرة ومشاهدة المسلسلات التركية. وبحسب الإحصائيات المتوفرة عن طريق تقرير التنمية البشرية لعام 2011 فإن معدل القراءة عند العرب (بدون تضمين قراءة القران الكريم والكتب الدراسية والصحف والمجلات) لا تزيد عن ست دقائق في السنة بينما تبلغ مدة القراءة عند الأوروبيين 200 ساعة سنويا. وبينما يقرأ 80 عربيا كتابا واحدا في السنة يقرأ الأوروبي 35 كتابا سنويا، وهذا يؤكد وجود هوة ثقافية هائلة بيننا وبين الأوروبيين. لقد بينت دراسة أخرى أجرتها إحدى شركات أبحاث السوق نتائج اكثر إيجابية بالنسبة للعرب فقد أظهرت أن اللبنانيين يقرأون 117 ساعة في السنة والمصريين 108 ساعات والسعوديين يقرأون 75 ساعة سنويا بتضمين قراءة القران الكريم والكتب المدرسية والصحف والمجلات في حساب معدل القراءة، ولهذه الأرقام دلائل تشير إلى أهمية الدين والمدرسة في حياة الفرد العربي.
كان يقال في الماضي أنّ مصر تؤلّف ولبنان يطبع والعراق يقرأ وأصبحوا اليوم يشتركون في إهمالهم للتأليف وطبع وقراءة الكتب، وأصبح جلّ اهتمامهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاهدة المسلسلات الترفيهية والإبحار في الإنترنت لمشاهدة الأفلام. وانطلاقا من الإحصائيات العالمية نرى أن العالم العربي لا ينشر سنويا سوى كتاب واحد لكل مليون شخص في حين انه في أوروبا ينشر سنويا كتاب لكل 5 آلاف شخص. وتزداد الهوة بيننا وبين الأوروبيين عندما نأخذ بنظر الاعتبار عدد النسخ المطبوعة لكل كتاب، فبينما لا تزيد في الدول العربية عن الألف أو الألفين، يتجاوز عدد النسخ المطبوعة لكل كتاب في الغرب 50 ألف نسخة.
إذا نظرنا إلى الأسباب التي تمنعنا من القراءة وجدنا أنّ التربية المدرسية والأسرية من أهم الأسباب التي تقف وراء تراجع معدلات الاطلاع الثقافي والقراءة في بلداننا العربية. نحن تعودنا على التلقين واجترار المعلومات، فالحفظ في بلداننا يقود إلى التفوق في المدرسة والنجاح في الحياة والاجتهاد في المجتمع، وطرق التدريس القديمة المبنية على التلقين وفلسفة التعليم البالية، وأساليب التدريس لم تتغير، وما زالت معارف ومهارات الطلبة تعتمد بالأساس في تقييمها على مقدار ما تعلمه الطالب مما كان يدّرس والذي يتجلى في نهاية السنة الدراسية بصورة ما حفظه الطالب واجتره في الامتحان.
الواقع يتجلى في قضاء الطالب لمعظم وقته في قراءة بضعة كتب مدرسية ليضمن افضل فرص النجاح في الحياة بحيث أصبح شائعا أن قراءة كتاب 50 مرة هي افضل من قراءة 50 كتابا مرة واحدة، وهذا لن يسود إلا لأننا شعب يمجد ما نحفظه اكثر مما نفكر ونعمل به. تشكل عملية التلقين والحفظ كارثة لمجتمع الثقافة وتؤدي إلى عزوف الشاب عن قراءة الكتب الثقافية حيث تغرز في نفسه الكراهية للكتاب نتيجة الملل من الترديد والاجترار وتدفعه إلى النفور من القراءة واللجوء إلى وسائل اللهو والاطلاع السطحي عن طريق التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي. مدارسنا تنتج «متعلمين جهلة»، و«عقول مغلقة» لأسباب عديدة تظهر نتائجها في عجزنا عن حل مشاكلنا، وفي الهروب من الحاضر ومحاولة الالتصاق بالماضي والتي تتجلى في أشكال اجتماعية مرضيّة مختلفة، منها الطائفية والعشائرية وكثير من العادات والأعراف والتقاليد البالية.
الكتب المدرسية محدودة وما توفره للطفل من ثقافة نزر يسير، ولا توجد كتب أخرى كثيرة متوفرة للطفل لتزيد من معلوماته، والإحصائيات تبين بوضوح هذا الجدب في مصادر ثقافة الطفل، فمجمل عدد الكتب المؤلفة سنويا للطفل العربي لا تزيد عن 400 كتاب في حين انه يتوفر كل سنة اكثر من 13 ألف كتاب للأطفال في أمريكا، وأكثر من 3800 كتاب للأطفال في بريطانيا، واكثر من 2100 كتاب للأطفال في فرنسا. في الغرب يهتمون بتنشئة الطفل في بيئة تحب القراءة وتحب الكتاب وعلى أساس بناء شخصيته المستقلة القادرة على أخذ القرار، وعلى التفكير النقدي الحر، بينما نحن نهتم بالتلقين وترديد المقولات الجاهزة ونتطيّر من التجارب لينشأ الطفل على ما يغذيه به أولياء أمره من موارد محدودة لنموه العقلي، وليكتمل إغلاق عقله بإهماله للتفكير النقدي، ومن جانب آخر يطرح التساؤل عن أهمية وجود كتب ثقافية للأطفال في وضع لا يسمح لهم بالاستفادة منها لأنهم مشغولون بقراءة الكتب المدرسية واستذكارها وأي قراءة أخرى ستبعدهم عن تحقيق هدفهم الأسمى وهو الحصول على أعلى الدرجات الامتحانية.
إننا اليوم أمام تحد كبير لكي نلحق بركب الدول الحضارية مما يتطلب بذل جهود استثنائية ووضع مشروع لثورة ثقافية وفكرية تقع مسؤولية تحقيقه على الدولة والمجتمع، وكل من يستطيع تغيير الواقع نحو الأفضل، وتقع أساليب تنفيذ المشروع على عاتق وزارات الثقافة والتربية والتعليم العالي، وأهمية الثورة الثقافية لا تتجلى في القضاء على التخلف المعرفي والفكري فقط وإنما أيضا لمواجهة التطرف والإرهاب باعتبارهما فكرا متخلفا ومنحرفا يتطلب مواجهته بالفكر والرأي مع ضرورة أن تتبنى القنوات الفضائية برامج نشر المعرفة والتشجيع على القراءة.

شاهد أيضاً

فورسترلينج تتوج ببطولة أرامكو لفرق السيدات للجولف

خاص – صفوان الهندي اختتمت في تامبا بولاية فلوريدا الأمريكية سلسلة فرق أرامكو للسيدات للجولف …