الثلاثاء ,16 أبريل 2024 - 2:05 مساءً
الرئيسية / كُتاب صفحات / كي نكتب بشكل أفضل

كي نكتب بشكل أفضل

بشرى خلفان

 

نستطيع الادعاء بأن قراءة الأدب تكفينا عن قراءة كل العلوم الأخرى، مبررين ذلك بأن الرواية لديها القدرة على استيعاب كل العلوم والفنون والأجناس الأدبية الأخرى، ويبدو هذا الكلام معقولا للوهلة الأولى، ولقد برهنت الرواية على ذلك، فمن يقرأ “موبي ديك” مثلا سيجد فيها فصولا طويلة، هي أشبه بالمقالات عن التحويت وعن أنواع الحراب والحيتان.

ولو أن المرء قرأ “اسمي أحمر” لباموق لاستطاع تتبع الخيط التاريخي لفنون النقش والرسم والزخرفة والخط في الأيام الذهبية للخلافة العثمانية، كما أن المرء لن يجد دليلا شيقا لتاريخ تركيا وملخصا لانقلاباتها العسكرية وتحولاتها السياسية والاجتماعية كما سيجده في روايتيه “متحف البراءة” أو “ غرابة في عقلي”.

وسنعرف الكثير عن الحركة الشيوعية ومصيرها ومآلاتها في الهند من خلال رواية “الأراضي المنخفضة” لجومبا لاهيري مثلا، وسيغيب الكثير من التاريخ السياسي للهند وباكستان عنا – أقصد غير المتخصص- لو أننا لم نقرأ “وزارة السعادة القصوى” أو “إله الأشياء الصغيرة” لأرونداتي روي أو “أطفال منتصف الليل” لسلمان رشدي.

كما أننا كنا ربما سنجهل الكثير عن تاريخ بيروت لولا كتابات ربيع جابر، والكثير الكثير عن الصراع العربي الإسرائيلي والمجازر في تل الزعتر ومخيمي صبرا وشاتيلا لولا إلياس خوري، في “باب الشمس” و “أولاد آدم” وغيرها.

لكن من هو الكاتب الجيد الذي سيستطيع السفر عبر الزمن دون وسيط؟ أو أن يطلع على هذا السيل الوافر من المعلومات دون معايشة أو قراءة؟ سيحاجج البعض أنه بإمكان البحث أثناء الإعداد للرواية أن يوفر المعلومات، وهذا صحيح أيضا، لكن كيف بإمكان المرء أن يستدل على ما يحتاج دون أن يكون ملما بالخيط العام للتحولات، فيبحث فيها، وهذا الإلمام ألا يحتاج إلى خارطة معينة، تكون قد وضعت في الذهن من خلال قراءات سابقة، ناهيك عن أثر القراءة في بزوغ فكرة الرواية ذاتها، فالمعرفة تراكمية، ومتوالدة، وبالتأكيد لا تأتي من فراغ.

الكتاب الكبار استطاعوا أن ينقلوا لنا لا المعرفة المستقاة من الأبحاث وحدها، وهذا مهم جدا في رأيي، بل ما هو أهم من ذلك، المعرفة المتعلقة بالإنسان، وهذه المعرفة، لا تأتي من خلال قراءة مجموعة من البحوث حول مادة الرواية، بل قراءة متنوعة تسمح للكاتب أن يقرأ الإنسان في تقاطعات الزمان والمكان، وفحص البنية المتحولة للنفس البشرية من خلال تنوع مصادر المعرفة والقراءة في شتى العلوم، من التاريخ إلى الجغرافيا أو علوم الأرض والعلوم الطبيعية وعلم النفس والفلسفة، وعلوم السياسة والاقتصاد.

فإذا كنا كقراء نستمتع بالرواية لأنها تمنحنا كل هذا وزيادة، فكيف سننتج نحن – كتاب الرواية أقصد- روايات جيدة إن لم نمتلك ما امتلك الكتاب الجيدين من سعة اطلاع؟ وكيف سنمتلك زاوية نظر جديدة إلى الإنسان وتحولاته الجوانية وحتى الخارجية دون أن تكون لنا قراءات مختلفة ومغايرة في شتى العلوم، نبني عليها إجاباتنا الخاصة لأسئلة الوجود؟
https://www.omandaily.om/أعمدة/na/كي-نكتب-بشكل-أفضل

شاهد أيضاً

الناقد والكاتب د. عبدالله الشاهر :أبتعد عن التجريح في النقد لأن النقد في الأساس تقييم وتقويم

أكد أن العرب لم يصلوا إلى صياغة نظرية نقدية متكاملة الإرث والموروث العُماني شكل جينات …