الخميس ,28 مارس 2024 - 11:35 مساءً
الرئيسية / تقارير وتحقيقات / كيف تفوق المونديال السوري على مونديالات الفيفا..؟

كيف تفوق المونديال السوري على مونديالات الفيفا..؟

هكذا تابع السوريون مونديال قطر بالإسقاطات السياسية

  • بسام جميدة

كل منغصات الحياة وويلاتها الناجمة عن ارتدادات سنوات الحرب العشرة، لم تشغل السوريين عن متابعة مونديال كرة القدم الذي تقام مبارياته في دولة قطر، ووسط الظلام الذي يعيشونه بسبب انقطاع الكهرباء التي لاتزورهم سوى قرابة ساعة كل ست ساعات لن تكون كافية لشحن الموبايلات من أجل المتابعة، فيجدون أنفسهم باحثين عن الفرجة بأي وسيلة كانت، والتفاعل مع الحدث، وعكس هذا التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي غصت بالبوستات المونديالية وكانت في غالبها ردود أفعال تعكس مرارة حياتهم وآثار الحرب التي ألقت بظلالها الموجعة عليهم في قالب لا يخلو من الطرافة حينا، ومن الألم والغصة في أحيان كثيرة.

 تفوق سوري

“احتضنت سوريا المونديال على أراضيها وأستمر طوال عقد من الزمن وشهد مشاركة أكثر من أربعين دولة، وحتى هذه اللحظة لم نعرف من هو الفائز بالكأس، فقط عرفنا أننا الخاسرون كدولة مستضيفة” هذا لسان حال السوريين وهم يتابعون المونديال العالمي، وبلهجة ساخرة، يرددون: “لقد تم تنفيذ كل الأساليب التكتيكية في ملاعبنا من دفاع المنطقة الى الهجوم الشامل ودفاع رجل لرجل، واستعملت هنا كل الوسائل لدك مرمانا سواء بالاختراق من العمق أو التسديد البعيد، أو عبر الأطراف، وشارك بهذا المونديال المأساوي كثير من التنظيمات والفصائل تحت الوان وأعلام مختلفة، وهذا ماجعل المونديال السوري يتفوق على مونديال الفيفا بعدد الدول المشاركة وعدد الفرق ويضرب رقما قياسيا في المدة الأطول حيث تنتهي كل المونديالات ضمن شهر واحد، بينما المونديال السوري لازال مستمرا بكل إثارته وتفاصيله الموجعة ومايحمل من مفاجآت”.

الافتتاح الأطول والختام المنتظر

في العادة يشهد حفل افتتاح  المونديال الألعاب النارية، والأغاني والأفراح، ونحن شهدنا كل أنواع الألعاب النارية وبالذخيرة الحية أيضا، ورافقها عويل ونواح، وصيحات تتعالى، من المنتصر والمهزوم على حد سواء؛ غالبية الدول استعرضت عضلاتها ومالديها من قوة وأسلحة فتاكة على أراضينا، وأرسلت محاربيها لتسجل أهدافا في مرمانا، وللأسف لم تكن هنا لجان للانضباط ولا للعب النظيف ولا لائحة انضباطية ولم يتم رفع البطاقة الحمراء في وجه أحد لإيقافه عن اللعب بالنار هنا، النار لازالت تكوي السوريين، والحكام لم يكونوا محايدين بتاتا، ولم يتم استعمال تقنية الفار لمعرفة من هو المخطئ، الغالبية هنا مخدوعين، وأصبحوا اليوم مصدومين وينتظرون أن تسدل الستارة على المونديال السوري  لنشهد حفل الختام ولكن هيهات..!! .

إسقاطات حربية

رغم كل الوجع والمعاناة لم يوفر السوريين فرصة المونديال ومتابعته لإطلاق النكاث والقيام بإسقاطات سياسية واجتماعية على كل مايشاهدونه من مباريات وأحداث رياضية ليعبروا بها عن سخطهم للحرب وتفاصيلها ومحركيها، وقد لاقت فيديوهات كثيرة منتشرة وبوستات عديدة انتقادات لاذعة، وبعضها الرضى والقبول بسبب تشجيع هذا المنتخب أو ذاك، وكل ذلك كان نابعا من اعتقاد السوريين بأن هذه الدولة أو تلك كانت منغمسة بالحرب السورية بطريقة أو بأخرى، أو حتى بقربها أو بعدها عن المشكلة السورية وتداعياتها، فالسوريون في الداخل مثلا استنكروا تصرفات المنتخب الألماني، بينما السوريون في الخارج لم يستنكروا ذلك كونها فتحت أبوابها لهم، وهكذا بالنسبة للمنتخبات الأخرى، فهناك من شجع قطر كدولة مستضيفة ونحجت بالاستضافة، وهناك من شمت بخروجها وأدان البذخ الذي تم صرفه على المونديال، وكذلك الحال بالنسبة للسعودية وتونس وحتى المغرب، فهذا المنتخب كانت حكومته مع السوريين وذاك وقف ضدهم ومن هنا نشبت الخلافات الكثيرة على وسائل التواصل.

ومن خلال متابعة الكثير من وسائل التواصل وجدنا أن شريحة كبيرة من المجتمع السوري بمختلف مشاربهم الوظيفية والثقافية والاجتماعية والعلمية وحتى بعض المحللين السياسيين يتابعون المونديال ويركبون موجة النشر والتعليقات، منها الساخرة ومنها الجادة، والبعض يحاول من خلالها التجييش والتهجم والبعض يدافع، وكل  شخص يعبر وفق رؤاه وميوله ومدى تأثره بما جرى حوله، ولعل أطرف ما قرأنا في هذا المجال ما كتبه أحد الأدباء  قائلا: “بات الشعب السوري لا يتابع المونديال من خلف الشاشات بل من خلف المنصات، منصة الدول التي تمثل آستانا مثلا، ومنصة سوتشي وموسكو ومنصة قطر والسعودية ومعارضة الداخل والخارج ومنصة المثليين ومنصة الحكومة ومنصة الحرب الكونية، أو بتسمية المنصات بأسماء هذه الدولة أو تلك”.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فعندما تشجع وتصفق لهذه المنتخب أو ذاك وبسبب تلك الإسقاطات تبدأ معارك “الفيس بوك” والتراشق بالكلمات وتتردد كلمات الموالاة والمعارضة والوطنية والتخوين، ويقول أبو معتز في هذا الصدد “لقد أفسدوا علينا متعة المباريات التي بالكاد نستطيع متابعتها عبر الهاتف الجوال، أما يكفينا ماحل بنا..؟”.

نتفرج كي ننسى

وجه أبا علي الكاتب المتخصص بالشأن الرياضي صرخة عالية  قائلا : “نتفرج على المونديال كي ننسى مابنا من الآم، وماحل بنا من مصائب، راتبي لايكاد يكفي لمدة عشرة أيام، ماذا تريدون أن نفعل، هل نغلق كل شيء ونموت أحياء، اتركوا لنا متعتنا ودعونا مع كرة القدم نعيش ساعات فرح ولو كاذبة، يكفينا تخوين وعذابات، الحرب دمرت كل شيء، حتى نفوس الكثير من الناس إن لم أقل جميعهم، دعونا نعيش ماتبقى لنا من أيام مع هذا المونديال، أما يكفينا مونديال الحرب الذي أمتد عشر سنوات..؟”

كلفة باهظة

ولع السوريين بكرة القدم دفعهم لمتابعة المباريات في المقاهي بسبب غياب الكهرباء وسوء الأنترنيت، والجلوس في المقهى وبحسبة بسيطة تكلف الشخص لمباراة واحدة حوالي 7000 ليرة سورية إن كان بمفرده، ثمن كاسة شاي وفنجان قهوة فقط وبمقهى شعبي جدا.

“المبلغ مرهق جدا، فأضطر إلى أن أدخل في خناقة مع زوجتي عندما أعود للبيت، وفي أحيان الجأ لأحد أصدقائي ممن يتوفر لديه مولدة كهرباء، وهكذا أعيش مرارة المتابعة، ناهيك عن كبت مشاعري التشجيعية بسبب الانتقادات والضرر جراء ذلك”. هكذا روى لي عيسى المنصور كيفية متابعته للمونديال في ظل هذه الأوضاع الصعبة.

كيف اقرأ المونديال..؟

سؤال وجهته لنفسي من خلال متابعتي للمونديال  كيف عكست المجريات على مايدور هنا على الأرض السورية: “يختلف لعب المنتخبات في المونديال الكروي في قطر عن لعب الدول التي تلعب في المونديال السوري، هنا التركيز الذهني بلغ ذروته من أجل الاستحواذ والسيطرة والامتداد أكثر في مناطق الخصوم، كل فريق يريد أن تكون له الحصة الأكبر والفوز النهائي والمصيبة أن النتائج لاتزال غير محسومة ولايوجد وقت محدد لانتهاء اللعب، الوقت بدل الضائع طويل جدا، وحتى في الاستراحات لايهدأ الجهاز الفني لكل فريق من التصريحات التي تؤجج الحرب والمنافسة الشرسة، الكثافة الهجومية في بعض الأحيان تأتي بالويل علينا، لم نعد نعرف لمن نصفق، ولمن نصفر، الضربات الجوية والتسديدات الصاروخية من خارج منطقة العمليات مفعولها مدمر جدا، الأهداف أكثر من أن تحصى، واصبح لدينا وفرة في مركز الحراسة لكثرة من يطلب هذا المركز”

عوائد المونديال

كل المونديالات عوائدها وفيرة ورابحة على كل الصعد للدولة المنظمة إلا المونديال السوري فلم يعد سوى بالخسائر الكثيرة على البلد، ماديا بلغت خسائرنا الاقتصادية بما يفوق 450 مليار دولار، فيما كانت عوائد السياحة عدد لابأس به ممن دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية من مختلف الجنسيات للعب دور المهاجم والمدرب، ولم يدخلوا معهم العملات الصعبة بل نهبوا البلاد والعباد وعاثوا في الأرض قتلا وفساد وهم يحملون ألوان من يشجعونهم على هذه الأفعال، أما على صعيد البنى التحتية فقد شهدت تدميرا شبه كاملا، وطرأ تضخم اقتصادي غير مسبوق بالبلاد مما أسفر عن تردي الحالة المعيشية للمواطن السوري الذي وقف مذهولا لما يجري من منافسات عنيفة لاحول له بها ولاقوة”، وتابع زميلي: “أنه أسوأ بكثير مما قلت”.

التشجيع الانفعالي

شهدت ساحات الوغى في المونديال السوري وبأماكن متعددة مشاركة الجماهير في المنافسة واللعب، ولم يقتصر الأمر على الهتاف والتشجيع وحمل الرايات الملونة والقرع على الطناجر والتصفير،  والتكبير، بل تعداه إلى القيام بقذف اللاعبين بكل مايتوفر أمامهم من أسلحة خفيفة ومتوسطة للمشاركة الفاعلة بالمونديال ونيل شرف المشاركة على حد زعمهم؛ وتسلم بعضهم المناصب الفاعلة في إدارة فعاليات المونديال العسكري بطريقة أو بأخرى، فمنهم من أثرى، ومنهم من هرب خارج البلاد، ومنهم من دفع الثمن غاليا، وكانت النتائج كارثية على صعيد الهجرة والنزوح والتشرد وحتى الموت الذي طال السواد الأعظم.

حكام المونديال

شهد المونديال السوري وفرة في الحكام الدوليين، وتواجد عدد من المنظمات التي جاءت بحجة مراقبة الوضع وتهدئة الحرب وغيرها من التسميات، ولكن غالبية الحكام كانوا غير منصفين وكل منهم ينحاز للطرف الذي يريده، ولم ينحازوا للشعب السوري ولا للوطن الذي كان ملعبا واحدا فأصبح ملاعب عدة؛ حكام اغلبهم يفتقدون للنزاهة جلسوا في الفنادق الفارهة يتفرجون ويدونون ويقلقون، ولم نشاهد أحدهم يخرج بطاقة حمراء في وجه هذا الفصيل أو ذاك، نحن الشعب السوري الذي أصبح يدفع ضريبة الحرب وغياب العدالة؛ واللعب مستمر كما هي الحرب مستعرة، وعندما هدأت النيران وجدنا أنفسنا وسط أنقاض نعاني الويلات من تلك الارتدادات التي كانت أكثر قسوة من الحرب ذاتها، هذا هو المونديال السوري المفجع.

مونديال لكل الأعمار ونتائج كارثية  

لم يقتصر المونديال السوري على فئة الرجال، بل كان مدمجا لكل الفئات معا، وللجنسين ذكورا وإناثا، كان اللعب بين الكبار ودفع الثمن، الصغار والنساء، ساحات الحرب دخلها النسوة والأطفال في مباريات غير متكافئة، كان الممول يدفع بسخاء لكل الفرقاء ليشحذ الهمم من اجل الانتصار الوهمي، وكان الجميع ضحية، وكانت النتائج كارثية، أطفال مشردون بلا مدارس وبلا قوت ولامأوى، ونساء بلا أزواج وأرامل كثر ومطلقات، وأرتفع عداد الموتى ليتجاوز النصف مليون ضحية، ناهيك عن خمسة ملايين نازح ومثلهم في دول اللجوء باتوا يشجعون هذا على ذاك من أجل أن يحقق كل فريق فوزا وهميا، طال الدمار كثير من المدن والساحات والملاعب التي جرت فيها المنافسات، عدا عن الدمار الذي نال من نفسية المواطن السوري الذي أصابه الوهن وهو ينتظر الخلاص دون أن يلمح بارقة أمل في أن يخرج أحد  حكام الساحة صافرته ليعلن انتهاء مونديال الموت الذي طال ولم يورث الشعب السوري سوى الكوارث فيما لازال العالم كله يتفرج من بعيد على مايجري حتى أن الكثير من هذا العالم بات غير مكترثا بالمونديال الذي أصبح أولمبيادا لكل الفجائع الي ألمت بالبلاد والعباد.

 

 

 

 

شاهد أيضاً

فورسترلينج تتوج ببطولة أرامكو لفرق السيدات للجولف

خاص – صفوان الهندي اختتمت في تامبا بولاية فلوريدا الأمريكية سلسلة فرق أرامكو للسيدات للجولف …