الخميس ,9 مايو 2024 - 5:05 صباحًا
الرئيسية / ثقافة وأدب / تجليات الصورة عند بعض شعراء دير الزور

تجليات الصورة عند بعض شعراء دير الزور

خالد جمعة

الصورة الشعرية التي هي أساس نظم القصيدة ، ودونها لايكن لذاك الشعر معنى، وهذه الصورة تنطبع في مخيلة الكاتب فيضمنها شعره بعد أن يضع الإطار المناسب لها، وقد يضمن الشاعر

قصيدته أكثر من صورة أو صور عديدة ، فتكون قصيدته معرضاً فنياً متعدد الصور تهوى الناظر أو القارئ، وهذه الصورة بعيدة عن الوحشية والاشمئزاز،إنما هي صور مؤنسة جميلة تسر القارىء حينما يراها.‏

وبحديثنا عن هذا المحور في بناء القصيدة وتحديداً عند قصائد شعراء دير الزور نجد أن هذه القصيدة ذات أغراض كثيرة ومتنوعة، فقد التقطت عدساتهم صوراً جميلة ارتبطت بجغرافيا المكان في أغلبها، حيث كان للصحراء ومايحمله بعض تلك الصور، أما جلّها فقد ذهبت لعشقهم الأبدي نهر الفرات ، الذي استلهم أفكارهم وأحاسيسهم، حينما جمعهم على شاطئيه وسمح لهم أن يلتقطوا أبهى الصور وأجملها ، فعبرت تلك الصور عن اختلاجات المشاعر وأحاسيسه ، فجاءت ذات أغراض متعددة ( رومانسية- وطنية – اجتماعية – قومية) حملت الفخر والحماس والرثاء والغزل و….‏

فقد قدم شاعر وادي الفرات محمد الفراتي- رحمه الله- صورة جميلة ومبدعة لنهر الفرات عكست فيما عكست قدرة الفراتي على قراءة ما تلتقطه عدسته من صور جمالية لنهر الفرات حينما قال:‏

ذاك نهر الفرات فاحب القصيدة من جلال الخلود معنى فريدا‏

باسماً للحياة عن سلسبيل كلما ذقته طلبت المز يدا‏

هذا الارتباط بين الشاعر الكبير محمد الفراتي ونهر الفرات ، لم يتوقف عند حدود اللقب وإنما تعداه ليكن محمد الفراتي حقيقةً شاعر وادي الفرات دون منازع ، فصورة الفرات لم تفارق مخيلته الشعرية المستنيرة والمتقدة.‏

أما الشاعر عقيل محمد سعيد العرفي – رحمه الله – فقد تغنى بنهر الفرات فهو البديع وهو نهر الجمال والخير في الصيف والشتاء وكل الفصول ، تاريخه المجيد مجدٌ مطلاً على الزمان من خلال صورة حسية جميلة عبر فيها عن فضائل نهر الفرات حين قال :‏

أبدى المحاسن للأنام جميعا نهر الفرات بما أطل بديعا‏

نهر الجمال إذا مشى في خطوه خلت الخريف بضفتيه ربيعا‏

أكرم بنهرٍ هل من تاريخه مجدٌ أطل على الزمان رفيعا‏

الفرات العشق والحنين الذي طالما كان ولا يزال الملهم للشعراء صوره الشاعر ماجد الراوي خير تصوير حينما قال عنه أنه القمر وأنه الملاك وأنه حفيف الشجر فكانت صورة رومانسية التقطها الحبيب لحبيبته عبر بها عما يجيش في أعماقه من حبٍ وعشق حيث قال:‏

يلوح بشط الفرات القمر ببرُد ملاكٍ ووجه بشر‏

عشقناك يا نهرنا في الزمان كعشق الرمال لماء المطر‏

فراتُ لأنت حنينُ القلوب وعند الشواطي حفيف الشجر‏

وهذا الشاعر فاضل سفان قدم صورة بهية لنهر الفرات الخالد متحداً معه ليمنحه العطاء الذي طالما يعطي وليكتسب معه العبق ،فهو مصدر عزٍ وفخر ٍ لأبنائه، صورة وجدانية نابعة من صميم قلبٍ محبً للفرات العشق الأبدي :‏

أنا والفرات غمامتان يضمنا عبقٌ رطيبٌ‏

رفّت على الدنيا مواسمنا وساحلنا خصيب/‏

ويظل ينشد سرّنا النائي ويحمدنا الغريبُ‏

فاحفظ هواك إذا عشقت لكلّ سائلة مجيبُ‏

أما الصورة التي التقطتها بصيرة شاعرنا محمد عبد الحدو فقد ربط الفرات بالمجد والفرح ، ووصف الفرات بأنه حبيبه ، فقد عرفت بصيرة الحدو أن الفرات هو العطاء والملهم ، وأنه الخلود ولولاه لم يكن هناك شعراً ولم تكن هناك حياة :‏

صفق المجد وابتدا المهرجان وتوالت بالفرحة الألحان‏

صفق المجد والفرات حبيبي وتناجى الحسون والكروان‏

صفق المجد في بلادي فأمسى ينثر النور في الدجى الشمعدان‏

ولعل قصيدة (بكائية للفرات) للشاعر جمال علوش – رحمه الله – والذي قدم فيها صورة جميلة بكى فيها نهر الفرات كونه نديم الشاعر وملهمه وهو أيضاً أيام الصبا وأيام العبث ، فلم يلقَ ذاك النهر من الشاعر سوى الجفاء بينما كان النهر يقدم الحب والحنين للشاعر ، صورة تكاد تكون نادرة فقد فدم الشاعر اعتذاره للنهر كونه جفاه رغم أن النهر لم يعرف أبداً الجفاء فيقول :‏

هذا الفرات نديمي الأزليُّ‏

فاطرُ صبوتي‏

العبثُ‏

اللجوجُ‏

الغرُّ‏

كم أدميته صدّأً‏

وأدماني بوصلِ‏

هذا الفرات ندىً‏

تعلّق منذ فاجأت العذوبة‏

خاطري‏

أما الاغتراب الذي عاناه الشاعر الراحل حسان العطوان والحنين إلى أعواد الغرب وعسيب النخيل الذي ينمو على شاطيء الفرات كانت صورة جميلة واضحة المعالم فعبر عن اعتزازه بالفرات من خلال قصيدته حينما قال:‏

أن للفرات نشيد الهم ملحمتي بالنخل أكتب ألحاني وبالغرب‏

كل العيون التي في طرفها حورٌ أبدعتها بيدي أعطيتها نسبي‏

أما صورة البيئة الصحراوية القاسية فقد كان لها نصيب في شعر الفراتي ، حيث نوه لها في أحدى قصائده مشيراً إلى حياة البداوة ، وما تحمله تلك البيئة من معاناة لأهلها صيفاً وشتاءً:‏

فنحن هنا بداة ليس ندري لشقوتنا سوى رعي العجاج‏

نهيم مع الأباعر في البوادي ونمعن في الفلاة مع النواجي‏

نخوض بالوحول إذا شتونا ونعشي بالمصيف مع العجاج‏

صورة العجاج لم تفارق أبداً عدسات شعراء الفرات فقد كانت دوماً في مخيلتهم ، كون العجاج قد ارتبط بمدينة دير الزور ارتباطاً دائماً مع حلول فصلي الربيع والصيف، وهذا الشاعر محمد غدير قد قدم صورة عبرت تعبيراً دقيقاً عن هذا الارتباط ،فلم يعد بمقدور الشاعر إلا أن يرى العجاج ويستمتع به حيث قال:‏

أحب عجاج الدير خضب مفرقي وكحل أجفاني وندى فؤاديا‏

إضافة لتلك الصورة قدم الشاعر مصطفى الغدير ملحمة جميلة لنهر الفرات ، فهو الذي يعشقه إن كان كدراً أو صافياً ، فقد وصفه بالشاعر الغناء الذي أطرب الزمان فقال:‏

فرات يا شاعراً غنى فأغنانا ويا محباً على الآماد روانا‏

وردت نبعك إن صفواً وإن كدراً سرٌ من الله طاب الورد وازدانا‏

وقدم الشاعر أحمد الروي – رحمه الله- صورة حزينة بكت فيها المرابع والمجالس الأدبية رغم ألفتها وأنسها ، ولم يعد يجدي قول الشعر والأدمع برحيل الشاعر الكبير محمد الفراتي الخالد أبداً، وينادي الشاعر بكنيته أبا قيس واصفاً شعره بالبلسم لمن كان جريحاً ، فيه الرأي المقنع والسديد، صورة حزينة ومريرة قدمها الشاعر لرفيق حياته الشعرية والاجتماعية فقال:‏

على أُنسها تبكي ديارٌ وأربعُ فماذا عسى تشفي قوافٍ وأدمعُ‏

ترنمْ أبا”قيسٍ”فشعركَ بلسمٌ لمن جاء مكلوماً ورأيك مقنعُ‏

أما قصيدة “رحيل البنفسج” للشاعر فاضل سفان، فقد جاءت الصورة الشعرية فيه متحركة ذات طابع ديناميكي وذلك بمرثية للشاعر الكبير نزار قباني فهاهو يناديه في ختام قصيدته واصفاً إياه بأنه رفيق المهنة ، وكم عملت من أجل هذا اليوم لتبقى خالداً في أذهان محبيك ويا كثرهم ، مع علمه ويقنيه أنه لم يريد الرحيل يوماً لكن هكذا شاءت الأقدار ، صورة أبدع فيها الشاعر فاضل سفان في اقتناصها وتجسيدها كلمات :‏

يا صاحبي في المقيلْ‏

وكنتَ تعدُّ لهُ الشهدَ زاداً‏

وما كنت يوماً‏

يريدُ الرحيلْ‏

أما الشاعر المعلم الراحل عبد المنعم الرحبي فقد قدم صوراً رائعة عرض بها ألواناً مختلفة من أوجه الحياة ، فصورة العيد الجميلة كانت ذات شجون عند الرحبي كون المحتل راقدٌ في الأرض لا يتزحزح فقال:‏

مازها العيد والفؤاد كسير وعلى الأرض يرقد العدوان‏

أما الصورة الغزلية والتي يعشقها الشاب والشابة ، الصغير والكبير ، لما لها من موسيقا عذبة ترتاح لها النفوس حين سماعها ، هذه الصورة الشعرية الجميلة جاءت على ندرة لدى شعراء الفرات وذلك على استحياء كونهم أبناء منطقة شرقية وهم أبناء هذه المنطقة التي حافظت ولاتزال تحافظ على بعض العادات والتقاليد التي تحول بينها وبين الإفصحاء عن الحب إلا إن الهوى الفراتي وشغاف القلب عند البعض جعلهم يبوحون بذلك الحب ، ولو بمجرد الإيحاء به دون ذكر تفاصيل أو أسماء أو تشبب سافر بالمرآة ، كي لا يشار إليهم بأنهم قد تركوا الدين وتخلوا عن العادات والتقاليد ، ولعل الدين الإسلامي الحنيف هو الذي وقف في البوح بوجه الغزل ، كونه ينافي تعاليمه ومبادئه ، فلذلك ظل الغزل عند شعراء دير الزور نادراً ولانقل مقطوعاً،وفي هذه الصورة أثبت بعض الشعراء قدرتهم الفنية في إظهار مهاراتهم الشعرية ، ووفائهم للحبيب .‏

فهاهو الشاعر جمال علوش يتحدث عن المرآة وقد صرح باسمها ألا وهي( نجوى) فهي التي سرقت أشعاره وكانت جميعها لها فهي قاتلته وهي الثورة التي حلت بدم شاعرنا فلولاها لم يخط الشاعر بأيّ كلمة شعر وقد أسرف الشاعر في وصف محبوبته حتى أنه قد قال بأنه قد عراها من الثياب من شدة لهفته عندها وصل الشاعر إلى مبتغاه ومراده ، صورة المحبوبة التي أفصح عنها جمال علوش كانت صورة غزلية رائعة الجمال غاص الشاعر فيها كثيراً في وصفه للمحبوبة على غير العادة من شعراء دير الزور حيث قال:‏

“نجوى ” التي سرقت‏

بالأمس قافيتي‏

سأقول : ما أثمت‏

وأقول: قاتلتي‏

هي ثورةٌ بدمي‏

مذ أطلقت فتاها‏

مجنونةٌ…قلمي‏

ماكان …لولاها‏

عرّيت جثتها‏

بأصابع اللهفِ‏

وأقول:لحظتها‏

كان السدى هدفي‏

وهذه الشاعرة تروندا منديل تقدم صورة الحبيب العابث بالحب والذي لا يعرف كيف يكون الحب وكيف يتعامل معه ، صورة قدمت من شاعرة اختصت إلى حدٍ كبير بهذا النوع من الشعر ، فهي في قصيدتها حب من ورق، أكدت على أن الرجل لا يزال يعبث بالحب ، فكلمات الحب التي ترددها أيها الرجل اليوم قد سمعتها كثيراً من قبلك وحفظتها عن ظهر قلب ، فأذهب وقلها لغيري ، لأن كلماتك لم تعد تطرب أذني لكثرة ما سمعتها فتقول:‏

أحبك ….‏

قلها لغيري‏

فأنا بإحساس طفولتي‏

أدرك معنى الحب‏

لا بالكلمات‏

أحبك …‏

ما عادت تطرب أذناي‏

لسماعها‏

فأبحث في قاموس العمر‏

عن كلمة‏

تسقط سقوط الثلج‏

على النار‏

وتحرك ذلك الغافي‏

بين الضلوع‏

أما السخرية والتي ابتعد عنها شعراء الفرات لما لها أحياناً من تجريح ، ولعدم قدرتهم من التقاط صورة واضحة المعالم ، هذه الصور الساخرة لم تجد لها مكاناً في أشعار الفراتيين ، وإن وجدت فهي على نزرٍ يسير ، وقد انفرد بهذا اللون الشاعر ماجد الراوي في عدة صور ساخرة قدمها على شكل معرض هزلي ، ومنها قصيدته” غزل رقيق” في إمراة ذات دمامة وقبح، جرى بين الشاعر وبين تلك المرآة حواراً كان مفاده أنها طلبت منه أن يقول بها شعراً لحسنها وحمالها ، فرد عليها قائلاً : إن الهجاء في شعري يسبق مدحي ، فلازالت تلح عليه بطلب الشعر حتى وافاها ببيتٍ شعري واصفاً جسمها بالفيل ورأسها بالكركدن ، صورة جميلة ساخرة قدمها الشاعر في المرآة التي تظن نفسها جميلة فيقول :‏

وذات دمامة مرت وقالت : أقلت قصيدةً في وصف حسنيّ‏

فقلتُ: يجيء قدحي قبل مدحي وفي هذا أخاف عليك منيّ‏

فقالت: قلْ عسى تغدو مديحاً فقلت قصيدةً كانت كظنيّ‏

وكان أرقَّ بيتٍ قيل فيها جميلِ الوقعِ يصلح للتغنيّ‏

لها جسمُ كجسمِ الفيلِ شكلاً ورأسُ مثل رأسِ الكركدنِّ‏

أما النهر الصغير النمير الصافي فكان أدب الأطفال ، ماءُه زلال صافي ، فيه مركب وحيد مزين بأجمل الألوان ، أمسك بدفته بخبرة ومهارة الشاعر جمال علوش – رحمه الله – فكان حقيقةً رائدا هذا الأدب ليس في دبر الزور بل في سورية والوطن العربي‏

والصورة في أدب الأطفال تكاد تكون ذات ميزة خاصة ، لأنها صورة بسيطة ممتعة كي تصل إلى ذهن الأطفال دون تكلف ، وتركيب الصورة والمعاني في شعر الأطفال أمر إلى حدٍ ما صعب لأن المفردات في أدب الأطفال قليلة ، وعلى شاعر هذا النوع أن يكون حاذقاً بهذا المجال ليستطيع أن يصل إلى ذهن الطفل بكل بساطة وسهولة ،ذات موسيقا عذبة تناسب الأطفال في مضمونها ومعناها، قصيدة “أنا لي وطنٌ يسكنُ قلبي” للشاعر جمال علوش ، حيث قدم فيها صورة الوطن الجميل بمفردات سهلة وبسيطة كي تناسب الأطفال لفظاً وإدراكاً ، فالوطن العربي يسكن فلب الشاعر ويفرش درب أحلامه بالنور ، وكل بقعة أرض في الوطن العربي الكبير هو وطن الشاعر وأرضه فنهر النيل وبردى ودجلة هم عند الشاعر كما الفرات جميعها تعطي الحب والعشق ويعود ويكرر بأن الوطن العربي أغلى شيء في الوجود حيث يقول:‏

أنا لي وطنٌ‏

يسكنُ قلبي‏

وبأحلامٍ‏

يفرشُ دربي‏

وطني الغالي‏

وطني العربي‏

وطني (النيلُ) وطني(دجلة)‏

وطني رملٌ يحتضن (نخلة)‏

وطني (بردى) يعشق أهله‏

و(فراتٌ) يدفق بالحبِ‏

وطني الغالي وطني العربي‏

هذه هي الصورة عند شعراء مدينة دير الزور وتجلياتها ،وقد أبدع شعراء دير الزور في التقاط صورهم من كل الزوايا لتظهر بأبهى صورة ، فكانت لصورهم وقعٌ خاص انفردوا به ، وهذا يعود إلى الطبيعة أولاً وأخيراً .‏

شاهد أيضاً

الجمعة.. انطلاق الموسم الافتتاحي من بطولة رابطة المقاتلين المحترفين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الرياض

تعرض مباشرة على قناة MBC أكشن ومنصة شاهد أعلنت رابطة المقاتلين المحترفين (PFL)، الدوري الرياضي …