الأربعاء ,8 مايو 2024 - 6:46 صباحًا
الرئيسية / ثقافة وأدب / السرد الأدبي العربي والحكابات الشعبية والحواديت والشعر

السرد الأدبي العربي والحكابات الشعبية والحواديت والشعر

من الواضح أن مفهوم الكثيرين عن السرد مستمد من قراءاتهم أو استماعهم لحواديت/سوالف الأجداد والجدات ومن الحكايات الشعبية ومن الشعر، وذلك فيما يتعلق بالسرد بضمير الغائب على وجه الخصوص. فهذا الضمير يدل صراحة على أن الراوي لا يسرد قصة هو طرف فيها، وإنما يحكي عن أشخاص آخرين/ شخصيات أخرى. في الحواديت أو الحكايات الشعبية، يمكن للراوي أن يعبر عن مشاعره إزاء ما يحكيه، لأن الحكاية أو الحدوتة أو القصة لها هدف تربوي أو إمتاعي في الغالب، وقد يلجأ الراوي إلى التقييم للتأكد من وصول المغزى من الحكاية أو القصة إلى المستمع أو القارئ. وفي الشعر العربي – القديم بوجه خاص – يعبر الشاعر عن مشاعره وآراءه وتقييمه لسلوك الآخرين – كما في قصائد المدح وقصائد الهجاء وقصائد المناسبات – لأن الهدف يتمثل في إبراز قيمة معينة أو الهجوم على سلوك محدد، وربما الهجوم على شخص أو مجموعة من الأشخاص، كما في قصيدة الهجاء. ولا مشكلة في ذلك، لأن تلك كانت طبيعة العصر آنذاك. وعندما نقرأ نحن هذا الهجوم أو هذا المدح، لسنا ملزمين به، لأن عصرنا مختلف، ولأن وظيفة الأدب تغيرت في عصرنا. لو حكيتُ لابنتي قصة مما كان يحكيه لي جدي، واستخدمتُ تقييماته لسلوك الشخصية في القصة، فمن المتوقع ألا تظل ابنتي صامتة، وستعترض على تقييمي، وستنظر لسلوك الشخصية نظرة مغايرة، وربما تمل من القصة ذاتها وتدرك أنها قصة بعيدة عن عصرها الحالي في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. وكان من الطبيعي فص القصص القديمة أن يقوم الراوي بالتقييم، لأنها كانت في عصر يظن أنه يمتلك اليقين، وكانت هناك معايير اجتماعية أخلاقية وسلوكية يتم الاحتكام إليها، وبالطبع هذه المعايير تختلف من ثقافة لأخرى ومن مجتمع لآخر ومن عصر لآخر. أما الآن فصارت مهمة الأدب تعبيرية وتصويرية في الغالب، ووصفية أحيانا، ولا يملك أحد اليقين الذي قد يمكنه من أن هذا السلوط خطأ وذاك السلوك محبب، أو أن يدين شخصية ما أو سلوك ما، وكلنا نعرف أن لكل شخصية ملابساتها وظروفها ومشاكلها التي لا سبيل أمامنا لمعرفتها، فنحن حتى قد لا نعرف أنفسنا، وما نراه صوابا الآن قد لا نراه كذلك بعد لحظات، والتصورات التي قد نبدأ بها عند كلامنا مع شخص ما قد تتحول إلى الاتجاه الآخر تماما في نهاية كلامنا معه. كما أن عصرنا – شئنا أم أبينا، وساء غيرنا أم أبوا – هو عصر الديمقراطية والتعددية والرؤى المتباينة، ولا يملك أحد أن يقيّم شخصا أو سلوكا لأن هذا الأحد أو هذا الشخص ليس كيانا جامدا أو ثابتا، وإنما هو متغير ومتبدل ومتحول ومتطور، وما خفي منه أو عنه كان أعظم. ولذلك، لا سبيل أمام الراوي غير المشارك إلا أن يقدم الشخصية وسلوكها كما هما دون تقييم أو إصدار أحكام أخلاقية أو غير أخلاقية عليه، ويترك للقارئ حرية تفسير هذا السلوك وحرية النظر إلى الشخصية وحرية ربط أجزاء النص ببعضها البعض. والراوي البارع هو الذي يختار “كادر” لقطاته بعناية وابتكار بحيث يقول ولا يقول، أي أن يعبر هذا الراوي، ومن ورائه المؤلف، عن رأيه ونظرته من خلال مجمل النص وبنيته الكلية، وليس من خلال مقولات متناثرة هنا وهناك في ثنايا النص، فالنص دائما أكبر من مجموع أجزائه، وربما كان أكبر من المؤلف ذاته، نظرا لتدخل لاوعي المؤلف في الكثير من المواضع، ونظرا للحكمة البنائية التي تتولد من الأضواء التي تسقطها عناصر النص ومكونات بنيته على بعضها البعض. ولا بد أن نعلم أن نسبة كبيرة من القراء تتمثل الآن فيما يُعرفُ بـ “القارئ المُقَاوِم” الذي لا يقبل ما يعبر عنه المؤلف على علاته، وإنما ينظر إليه نظرة نقدية فاحصة تقاوم ما قد يتمثل فيه من ظلم أو قمع أو تشويه أو أحكام قيمةٍ.

شاهد أيضاً

الجمعة.. انطلاق الموسم الافتتاحي من بطولة رابطة المقاتلين المحترفين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الرياض

تعرض مباشرة على قناة MBC أكشن ومنصة شاهد أعلنت رابطة المقاتلين المحترفين (PFL)، الدوري الرياضي …