الخميس ,2 مايو 2024 - 3:17 صباحًا
الرئيسية / ثقافة وأدب / التهذيب والتلطف في اللغة العربية

التهذيب والتلطف في اللغة العربية

 

خالد جمعة

تكاد تكون اللغة العربية من أميز لغات العالم تميزاً لما تحتويه من جواهر ودرر فهي لغة القرآن الكريم ولغة الضاد وتحتوي بين مفاصلها العديد من الميزات التي تنفرد بها دوناً عن سواها من اللغات  وتعد اللغة العربية  في مقدِّمة اللغات الراقية لما وصلت إليه من تهذيب في ألفاظها  وسموٍّ في أساليبها ، ودقةٍ في تراكيبها ، ومرونة في التعبير عن حاجاتها ، وتنوعت فنون القول فيها حتى سحرت كثيراً من الباحثين – قدماء ومحدثين – فرأوها أفضل اللغات وأفصحها ، وأجملها.

فاللغة مرآةٌ ينعكس فيها كلُّ ما يسير عليه الناطقون بها في شؤونهم الاجتماعية العامة والخاصة  ويشمل ذلك العقائد والعادات ، والتقاليد ، والمبادئ وغير ذلك مما يصبغ اللغة بصبغة خاصّةٍ في جميع مظاهرها : في الأصواتِ، والمفرداتِ ، و الدِّلالة، والقواعد ، والأساليب . فما يكون عليه الأفراد على سبيل المثال – من حشمةٍ وأدبٍ في شؤونهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض ينعكس صداه في لغتهم .  فاللاتينيون مثلاً يعبرون عن العورات والأمور المستهجنة والأعمال الواجب سترها بعباراتٍ صريحة ومكشوفةٍ ،على حين أنَّ العرب تتلمسُ أحسنَ الحيلِ وأدناها إلى الحشمةِ والأدب في التعبير عن هذه الأمور وغيرها مما له آثارٌ نفسيةٌ فتلجأُ إلى التَّلَطُف في الكلام، فتبلغ غرضها بأسلوبٍ ألطفَ وأحسنَ من الكشفِ والتصريحِ  ويعيبون على الرّجل إذا كان يكاشفُ في ذلك وقد كنى القرآن الكريم عن العمليّة الجنسية ( العلاقة بين الرجل والمرأة) بألفاظٍ كريمة هي : السّر  والحرثُ ، والملامسة ، والإفضاءُ ، والرفثُ ، والدخول، وغيرها

والتَّلَطُف في اللغة من مادةِ (لطف) هو الترفقُ  .لَطُفَ الشيء يَلْطُفُ لَطافَةً، أي صَغُرَ، فهو لَطيفٌ. واللُطْفُ في العمل: الرِفقُ فيه.واللُطْفُ من الله تعالى: التوفيق والعصمة. وألْطَفَهُ بكذا، أي بَرَّهُ به.

يقال: جاءتنا لَطَفَةٌ من فلان، أي هديَّة. والتَلَطُّفُ للأمر: الترفُّق له ومن ذلك قوله تعالى{فَلَيَأتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ } أيّ وليترفّق في الحصول على ما يريد ومما سبق يتضح لنا أنّ التَّلَطُف في اللغةِ يعني الترفق ، غيرَ أنّه ترفقٌ لا يعدم الحيلة والفطنة والذكاء .

وقد فطن القدماء من علماء العربية لهذه الظاهرة ودرسوها تحت مباحث الكناية وأنواعها ودوافعها ، واستعملوا بعض المصطلحات المتصلة بها مثل : تحسين اللفـظ ، وتلطيف المعنى ، والكنايات اللطيفة ، والتعريض.

ومن أمثلة ذلك ما يُروى من أنَّ الخليفةَ المنصورَ كان في بستانٍ ومعه الربيع ، فقال له: ما هذه الشجرةُ ؟ قال الربيع : شجرةُ الوِفاق يا أمير المؤمنين ، وكان اسم تلك الشجرةِ شجرةَ الخلافِ ، فتفاءلَ المنصورُ بذلك وعَجِبَ من ذكائه

ومن ذلك ما رُوي عن الخليفة المأمون أنه كان بيده مساويك ، فسأل الحسنَ بنَ سهلٍ ما هذه ؟ فقال : ضدُّ محاسنك يا أميرَ المؤمنين ، وكره أن يقولَ مساويك .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم لقائد الإبل التي عليها نساؤه : (رفقاً بالقوارير) .

ويقول الثعالبيُّ في الكناية عمّا يتطير من لفظه : ( يكنى عن اللديغ بالسليم ، وعن الأعمى بالبصير ، وعن المهلكةِ بالمفازة)… ويقول الجرجانيُّ في يوم الزفاف مثلاً ( وتقول العربُ :في الكنايةِ عن دخول الإنسان بأهله :بنى فلانٌ على أهله، وأصلُه أنَّ كلَّ من أراد الزّفافَ بنى على زوجتهِ قبةً ، فقيل لكل داخل بانٍ )

ومما أوردنا نتبين أن اللغة العربية لغة الوقار والحشمة فليس هناك معاني وكلمات فضّة كما في بقية اللغات جميعها تتعلق ببعض العاداتِ والعقائدِ العربيةِ كالتفاؤلِ والتشاؤمِ والعيوب الخَلْقِيةِ والخُلُقِيةِ وما يتصل بها .

شاهد أيضاً

الأمريكي جون كاتلين يتوج بلقب بطولة السعودية المفتوحة للجولف

متابعة صفوان الهندي توج الأمريكي جون كاتلين بلقب بطولة السعودية المفتوحة للجولف والمقدمة من صندوق …