صفحات
خالد جمعة
ارتسمت حلقة التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة بما يسمى الفيسبوك والذي أصبح بديلاً عن الحياة الاجتماعية بكل مظاهرها وأضحى يتولى مهمة التواصل الاجتماعي بين الأفراد والعائلة والأصدقاء والأقارب وبالتالي المجتمع .
وبات ملزماً على الكثيرين أن يكونوا أعضاء فيه لأنه يوفر لهم تواصل مباشر يكون بحد ذاته مقنعا ومرضياً بين الأشخاص، ومنه يستطيع أن يعرف أخبار لاحصر لها تتراوح بين الكاذبة والصادقة، المحزنة والسعيدة، وكل ذلك يدور على الملأ فيقرأه الداني والقاصي فالخصوصية باتت أمراً معلناً وأصبحت معها تتداول أخر الأكلات ونوعيته وساعته ومن توفي ومن تزوج ومن أحب ومن كره وأين ذهب ومتى عاد إلى ماهناك من هذا العالم الغريب والمفروض عليك أن تضع أعجبني أو أن تجامل لمجرد منشور خطر ببال أحد الأعضاء حتى ولو كان لامعنى له .
وعندما نجول في عالم التاريخ فنجد أن الرسائل الورقية والتي مازالت حاضرة وإن كانت على قلة هي فيسبوك التاريخ عبر كل الزمان ، لكنها كانت تحافظ على الخصوصية لكل فرد .
كان هناك رسائل الولاة والقادة والعشاق والأبناء وإلى ماهناك من بقية الرسائل التي تعددت وسائلها وأغراضها وحتى أنواعها .
ومازلنا نذكر رسائل ابن زيدون لولادة تلك الرسائل التي فاضت عشقاً وشوقاً ورسائل جبران لمي زيادة .
ولاننسى من أمهات كتب العربية رسالة الغفران للمعري وهي رسالة تصف الأحوال في النعيم والسعير والشخصيات وقد جاءت رداً على رسالة ابن القارح وهي رسالة ذات طابع روائي .
وأيضاً مقدمة ابن خلدون والتي تعد رسالة ذات قيمة أدبية كبيرة وقد عدّت المقدمة لاحقاً مؤلفاً منفصلاً ذي طابع موسوعي إذ يتناول فيه جميع ميادين المعرفة من الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعمران والاجتماع والسياسة والطب. وقد تناول فيه أحوال البشر واختلافات طبائعهم والبيئة وأثرها في الإنسان. كما تناول بالدراسة تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها مركزاً في تفسير ذلك على مفهوم العصبية .
وليس باعتبار أن الفيسبوك حلقة تواصل اجتماعي فمنذ الجاهلية كان هناك تواصل اجتماعي يعد بمثابة الفيسبوك في عصونا الحالي وما سوق عكاظ الشعري غلا من تلك الحلقات إنما كان ينقى ويصفى ليصلنا ماوصلنا من مغلقات مازالت قيمتها الأدبية تحظى بكثير من الاهتمام وفي مكتبتنا العربية وماهي إلا رسائل حاضرة دونها السلف وهاهي ماتزال تتواتر لأيد الخلف.
