الأحد ,28 أبريل 2024 - 5:06 مساءً
الرئيسية / ثقافة وأدب / الكونج.. النميمة وعودة الأموات

الكونج.. النميمة وعودة الأموات

 

محمد تركي الدعفيس

___________________

“الإمساك بأرنب أسهل من الإمساك بقارئ”.. هكذا قال ماركيز.

لكن الروائي السوداني حمور زيادة يمسك بنا في روايته “الكونج” بسهولة، ويجعلنا نتشبث بصفحاتها ونجري خلف أحداثها حتى نبلغ صفحة النهاية لنكتشف أننا عدنا إلى نقطة الانطلاق كأننا في دائرة تتكرر فيها الأقاويل والحكايات، ولعله يحسم بهذا في الصفحة 143 من روايته حينما يقول مع بدء دورة جديدة مكررة للنميمة “الزمان دائري”.

تبدو رواية الكونج كأنها تشي بأنها رواية بوليسية في مطلعها، غير أنها تجنح بعيداً عبر 150 صفحة تتضمن 17 فصلاً يتحدث فيها زيادة عن الكونج وهي تعني “الوجه” حيث تدور الأحداث في قرية منغلقة تجتر الحكايات والنميمة، وتصحو ذات يوم على مقتل العجوز شامة والدة رضوة التي ظن الجميع أن زوجها يضربها حينما انفجر صراخها قبل أن يتبينوا أن العجوز قُتلت وفصل رأسها عن جسدها، ويبدأ تتبع الأثر وصولاً إلى قاتلها علي صالح عشيق رضوة.

في خضم هذه الحكاية لا يكترث أحد لموت شامة إلا من باب المظاهر والإدعاء، لكن كلاً منهم يكترث بوجاهته وبدوره، وكيف يستثمر الموقف لصالح فرض حضوره، وهنا يكشف الكاتب عن لامبالاة تطحن الجميع وتطالهم بلا هوادة.

بلغة رشيقة تعتمد الجمل القصيرة والصورة يعبر بنا زيادة تفاصيل روايته بعدما يضعنا مباشرة في عين الحدث بإيقاع سينمائي صاخب ينفي وداعة القرية، بادئاً بلحظة الدهشة الأولى المتمثلة بالحدث الأكثر دراماتيكية في العمل، وهو جريمة قتل في قرية تلوك حكايا الزراعة ومحطة الكهربا وسعر التمباك ومنصرف المشروع الزراعي وشجارات البيوت ومضاجعة المراهقين للجحوش في الزرائب، وتمر على عودة الأموات إلى بيوتهم، في خلط بديع بين الواقع والأساطير الشعبية، وهو خلط موظف بشكل متناغم.

الكونج القرية /الجزيرة مسرح الأحداث المتمسكة بكل ما تحظى به الجزر من انغلاق على الذات، وخضوع للقيم الثابتة حتى دون أي تفكير بالتغيير باستثناء مطالبة علي صالح بالرحيل إلى عالم آخر بعدما أقر بجريمته إثر مراوحة بين الاعتراف بها ثم نفيها قبل العودة للاعتراف بها، وقبل أن تنتهي الرواية دون أن نعرف سبب جريمته، وكأن المؤلف يصر على التأكيد على أن القرية رغم اجترارها حكاية علي صالح وشامة ورضوة في كل حين، لا تكترث كثيراً إلا بتكرار الحكاية دون أدنى اهتمام بمعرفة أسبابها والدوافع إليها.

هذه القرية المنغلقة طبعت أبناءها بطبعها، حتى أن كثيراً من شخصياتها بدت متمسكة بــ”لزمات” كلامية كأنها جزء من هويتها الراسخة المنغلقة، حيث يصر القصاص بكري العربي على استخدام جملة “من دون مؤاخذة” بمناسبة ودون مناسبة، ومثله يفعل نور الدايم حين يريد الاستهجان “الصلاة على النبي!!”، وكذلك رقيب الشرطة عوض الكريم حين يريد التفاخر “شغل بوليس”.

حكايا الكونج تمضي بإيقاع صاخب وسريع كبحر النيل الذي يعبرها، وتتدفق شخوصها بلا فرصة للتوقف أو التأمل، وكأنها في سباق، ويراوح المؤلف بين تقنية السارد العليم ورواية الأحداث على لسان شخوص العمل، وهو يلجأ لهذا بذكاء يلائم العمود الفقري لروايته “النميمة”، حيث جاء تعدد الأصوات السردية في الرواية متناغماً معها، وهذا أمر منطقي ومفهوم في مجتمع مغلق يهتم بالثقافة الشفهية وبالحكايا.

كل شخصية في العمل ترى القرية والآخر من منظورها كحال كل الشخصيات في كل القرى، وكل منها يتصور أنه الصواب والآخرون في المتاهة، وحتى الطاهر الأعمى يتصور أنه البصير الوحيد، فيقول “أنا مثل أهل الكونج أنم وأغتاب، لكن ليس على الأعمى حرج، لقد أخذت نصيبي من العقاب”.

ويختم “اسمعوا نبوءة الأعمى. فهو المبصر الوحيد هنا”.

شاهد أيضاً

الأمريكي جون كاتلين يتوج بلقب بطولة السعودية المفتوحة للجولف

متابعة صفوان الهندي توج الأمريكي جون كاتلين بلقب بطولة السعودية المفتوحة للجولف والمقدمة من صندوق …