الإثنين ,29 أبريل 2024 - 1:28 صباحًا
الرئيسية / كُتاب صفحات / شعراء بحزام ناسف

شعراء بحزام ناسف

إبراهيم الزيدي

____________________________________
كلما تأخر الأمل ، كنت أتسلى بجمع الأمنيات التي لا يمكن أن تتحقق ، أحاول أن أتعلم رقصة الألوان في لوحات التشكيليين ، لغة الألحان في النوتات الموسيقية ، وأحياناً أتوكأ على صمتي ، وأمشي في الشوارع المتبقية على قيد الحياة ، أبحث في وجوه الجدران ، عن نعوة تلم رغبتي في البكاء ، فيتسلل اليأس إلى نفسي ، وأعود حالكاً في الظلام . في زيارتي الأولى لمشغل النحات العالمي علي سليمان ؛ رأيت بأمّ العين كيف تتحول الصخرة إلى صرخة !! آنذاك مرّت أسئلتي بمحاذاة صمته ، فقد ترك لي الكثير من الشواهد الرخامية والخشبية ، التي يمكن استنطاقها نيابة عنه ، إلا أنه لا يمكن تضمينها بين قوسين ، فغادرته مشياً على قدمين طاعنتين في التعب ، تقودني حكمة الذين خسروا كثيراً ، ورحت أبحث عن أولئك الذين ناموا تحت أنقاض الكلمات ، وهم يحلمون برحم وطن يأوي طفولتهم ، عالياً كان محمد علاء الدين عبد المولى في نأيه القسريّ ، وشفافاً في إدراكه العاطفي لمفهوم الوطن 🙁. آخر صورة لدمشق، أنني غادرتها وهي تمطر، وحتى الآن ، بعد سنتين ونصف ، لم تنشف ثيابي ) ، على جانبي الطريق الذي شقته قصيدة المغيرة الهويدي في وادي الفرات ، رأيت رصيفاً مدججاً باللحى والفتاوى ، وراجمات الغيب علماً ، فاستعذت بالشعر ، وقرأت : (يدي الَتي كتبت عن “الرقة ” تموتُ ، مثلُ دربٍ في العتمة ، يفضي إلى عنقي ، وصدري مقبرة !) وكأن البلاد قد هامت على وجهها حين أدرك الشاعر أن : (قذيفةٌ واحدة ، كانت كفيلةً بهدم البيت ، وتهشيم ذكريات العائلة ) وأعقب مستدركاً : ( وحده ثوب الأم على حبل الغسيل ، ظلّ يلوّح بكميّه مودِّعًا ) أمّا عبير سليمان، فقد سافرت ، وتركت لغتها في الكراجات بين الحافلات (كراجاتٌ بخطوط مفتوحة ، فيها سرافيس ، تقلّكَ إلى السماء / جهاديّون ” يشتغلون أدلّاء سياحةٍ في الجحيم / سوق لتجارة الأرواح :هات طفلا أو طالبا أو طبيبا أو عالما ، و خذ سبعين غانية في الهباء ) تلك هي الحال حين لا نعرف كيف نعقد حاجبي الأسئلة على عينيّ البلاد ، يصبح الشعراء قادة الكلمات التي تتنكب الخوف يأساً ، ها هو حسن إبراهيم الحسن ، يطل على الحرب من شرفته ، يراقب الطائرات ( التي تحرث الريح / نهر الدماء / المتاريس .. أهلي .. وأهلك .. والأصدقاء على الضفتين / من على شرفتي / أرقب الذاهبين إلى الحرب / تلويحة الأمهات / أرى العائدين ، التوابيت ، لكنني .. لا أرى القائدين / من على شرفتي .. مثلما يقف الجاهليّ على طلل ذاهلا : أسأل القفر .. أين أنا الآن .. أين ؟ ) وكأنه لم يقرأ بيان إبراهيم الجرادي ( إذا هاجرتَ أو هُجّرتَ ، لا تنسَ سلاحاً نائماً في “العدِلْ”. / وخذ حَجَراً صغيراً لِفَّه في الثوب ، ولا تنسَ وصايا الشيب إنْ أدركتْ: عدوك عند باب البيتِ ، وحشٌ نائمٌ في فروِ مِلَّتِه ، وخذ من حكمة المنفى ، ومن مُدنٍ ستكرهُها ، وأخرى سوف تكرَهُكَ ، وقل: يا ربُّ : إني موشكٌ في الظنِّ ، ساعدني على قلق الهداية ، واهدني يا ربُّ ، إني ذاهبٌ في الشكِ حتى اليأس ، في الوسواس ، من عُلجٍ ومن خناس ، ساعدني.. ساعدني ومدَّ يديك كي ألقاك ) وبقي نعمان زريق يؤكد المؤكد ( لا أنام على حذائي .. إلا أنه الشيء الأول الذي تتعثر به عيناي صباحاً ، ففي هذه الحرب ، كلانا ينام تحت السرير.) وما زال محمد المطرود يطارد هاجس الحرب في توقعاتنا (أنْ تَترُكي البابَ مَفتوحاً يا سارة، يعني أنَّ الحرَبَ ستنتهي والغيّابَ سيرجعونْ ) وكأنه ترك لحسن شاحوت فرصة الرجم بالغيب شعرا ، ليكمل وصيته لسارة 🙁 أقول غداً تهيمُ البلادُ في كلِّ وادٍ ، تغسلُ أرواحنا من غبارِ الحرب ، وتسرد علينا حكايات السنابل والقرى بذاكرةٍ ناقصة ، أقول غداً ـ وأنا بلا وطن وسجائر وجواز سفر ـ أبحثُ عن شيءٍ مختلف في لغةِ النّحو كأن : القصيدة كَذْبَة والذكريات فخّ ) في الطرف الآخر من نهر الشعر يتدفق حسن بعيتي : (إنْ كنتَ مُنتصراً فقدْ …. كنْتُ القتيـــلا … واصلْ حياتك َ…. يا أخي واصل حياتك و احتفلْ بالنصر لكنْ .. كنْ كريما ً .. و احترمْ موتي قليلا ) وحده الشاعر عيسى الشيخ حسن وضع بعد القول رصاصتين ، لأنه يعرف أن القذيفة تموت لحظة إطلاقها ، ويعرف أن الهدوء الذي تسبقه العاصفة ينتظرنا على الطرف الآخر من الموت ، وبقي يبحث عن : الهدوء الذي نحتاجه ، لننشر هذا البكاء ، على سطح البيت كي ينشف ) . للحزن الجزيل أسئلة يثيرها عبد الله الحامدي ، كلما فُتحت نوافذ الشوق 🙁 إلى متى يا وطني تهجرني ؟ أبحث عنك تحت مخدتي فلا أجد غير ظلك ) ، فالحب يمكن له أن يعيش على القليل ، إلا أنه لا يشبع من الكثير ، والوطن إن لم يكن حالة حب ، فهو مجرد مساحة ، لا تستحقها سوى كتب الجغرافيا ، وقد انخدعنا في وطننا الجغرافيّ ردحاً طويلا من الزمن ، وصار لزاماً علينا ، ولا بدّ من مراجعة تأخذ باعتبارها نبوءة الشعراء بعد أن ضيّع إيماننا طريقه إلى الله !! وخاصة أولئك الذين لامست الذكريات بحوافها الحادة طفولتهم التي راعها شيبهم المبكر ، وأدركتهم الأسئلة ، التي أثارها محمد علاء الدين عبد المولى : ( كنّا نعيش – نفرح- نتألم – نرحل: بالتقسيط . الموت فاجأنا دفعة واحدة ، من كشف له الرقم السريّ لبنك خرابنا ؟ ) .

شاهد أيضاً

الأمريكي جون كاتلين يتوج بلقب بطولة السعودية المفتوحة للجولف

متابعة صفوان الهندي توج الأمريكي جون كاتلين بلقب بطولة السعودية المفتوحة للجولف والمقدمة من صندوق …