الثلاثاء ,14 مايو 2024 - 8:59 صباحًا
الرئيسية / كُتاب صفحات / شعراء بحزام ناسف

شعراء بحزام ناسف

إبراهيم الزيدي

____________________________________
كلما تأخر الأمل ، كنت أتسلى بجمع الأمنيات التي لا يمكن أن تتحقق ، أحاول أن أتعلم رقصة الألوان في لوحات التشكيليين ، لغة الألحان في النوتات الموسيقية ، وأحياناً أتوكأ على صمتي ، وأمشي في الشوارع المتبقية على قيد الحياة ، أبحث في وجوه الجدران ، عن نعوة تلم رغبتي في البكاء ، فيتسلل اليأس إلى نفسي ، وأعود حالكاً في الظلام . في زيارتي الأولى لمشغل النحات العالمي علي سليمان ؛ رأيت بأمّ العين كيف تتحول الصخرة إلى صرخة !! آنذاك مرّت أسئلتي بمحاذاة صمته ، فقد ترك لي الكثير من الشواهد الرخامية والخشبية ، التي يمكن استنطاقها نيابة عنه ، إلا أنه لا يمكن تضمينها بين قوسين ، فغادرته مشياً على قدمين طاعنتين في التعب ، تقودني حكمة الذين خسروا كثيراً ، ورحت أبحث عن أولئك الذين ناموا تحت أنقاض الكلمات ، وهم يحلمون برحم وطن يأوي طفولتهم ، عالياً كان محمد علاء الدين عبد المولى في نأيه القسريّ ، وشفافاً في إدراكه العاطفي لمفهوم الوطن 🙁. آخر صورة لدمشق، أنني غادرتها وهي تمطر، وحتى الآن ، بعد سنتين ونصف ، لم تنشف ثيابي ) ، على جانبي الطريق الذي شقته قصيدة المغيرة الهويدي في وادي الفرات ، رأيت رصيفاً مدججاً باللحى والفتاوى ، وراجمات الغيب علماً ، فاستعذت بالشعر ، وقرأت : (يدي الَتي كتبت عن “الرقة ” تموتُ ، مثلُ دربٍ في العتمة ، يفضي إلى عنقي ، وصدري مقبرة !) وكأن البلاد قد هامت على وجهها حين أدرك الشاعر أن : (قذيفةٌ واحدة ، كانت كفيلةً بهدم البيت ، وتهشيم ذكريات العائلة ) وأعقب مستدركاً : ( وحده ثوب الأم على حبل الغسيل ، ظلّ يلوّح بكميّه مودِّعًا ) أمّا عبير سليمان، فقد سافرت ، وتركت لغتها في الكراجات بين الحافلات (كراجاتٌ بخطوط مفتوحة ، فيها سرافيس ، تقلّكَ إلى السماء / جهاديّون ” يشتغلون أدلّاء سياحةٍ في الجحيم / سوق لتجارة الأرواح :هات طفلا أو طالبا أو طبيبا أو عالما ، و خذ سبعين غانية في الهباء ) تلك هي الحال حين لا نعرف كيف نعقد حاجبي الأسئلة على عينيّ البلاد ، يصبح الشعراء قادة الكلمات التي تتنكب الخوف يأساً ، ها هو حسن إبراهيم الحسن ، يطل على الحرب من شرفته ، يراقب الطائرات ( التي تحرث الريح / نهر الدماء / المتاريس .. أهلي .. وأهلك .. والأصدقاء على الضفتين / من على شرفتي / أرقب الذاهبين إلى الحرب / تلويحة الأمهات / أرى العائدين ، التوابيت ، لكنني .. لا أرى القائدين / من على شرفتي .. مثلما يقف الجاهليّ على طلل ذاهلا : أسأل القفر .. أين أنا الآن .. أين ؟ ) وكأنه لم يقرأ بيان إبراهيم الجرادي ( إذا هاجرتَ أو هُجّرتَ ، لا تنسَ سلاحاً نائماً في “العدِلْ”. / وخذ حَجَراً صغيراً لِفَّه في الثوب ، ولا تنسَ وصايا الشيب إنْ أدركتْ: عدوك عند باب البيتِ ، وحشٌ نائمٌ في فروِ مِلَّتِه ، وخذ من حكمة المنفى ، ومن مُدنٍ ستكرهُها ، وأخرى سوف تكرَهُكَ ، وقل: يا ربُّ : إني موشكٌ في الظنِّ ، ساعدني على قلق الهداية ، واهدني يا ربُّ ، إني ذاهبٌ في الشكِ حتى اليأس ، في الوسواس ، من عُلجٍ ومن خناس ، ساعدني.. ساعدني ومدَّ يديك كي ألقاك ) وبقي نعمان زريق يؤكد المؤكد ( لا أنام على حذائي .. إلا أنه الشيء الأول الذي تتعثر به عيناي صباحاً ، ففي هذه الحرب ، كلانا ينام تحت السرير.) وما زال محمد المطرود يطارد هاجس الحرب في توقعاتنا (أنْ تَترُكي البابَ مَفتوحاً يا سارة، يعني أنَّ الحرَبَ ستنتهي والغيّابَ سيرجعونْ ) وكأنه ترك لحسن شاحوت فرصة الرجم بالغيب شعرا ، ليكمل وصيته لسارة 🙁 أقول غداً تهيمُ البلادُ في كلِّ وادٍ ، تغسلُ أرواحنا من غبارِ الحرب ، وتسرد علينا حكايات السنابل والقرى بذاكرةٍ ناقصة ، أقول غداً ـ وأنا بلا وطن وسجائر وجواز سفر ـ أبحثُ عن شيءٍ مختلف في لغةِ النّحو كأن : القصيدة كَذْبَة والذكريات فخّ ) في الطرف الآخر من نهر الشعر يتدفق حسن بعيتي : (إنْ كنتَ مُنتصراً فقدْ …. كنْتُ القتيـــلا … واصلْ حياتك َ…. يا أخي واصل حياتك و احتفلْ بالنصر لكنْ .. كنْ كريما ً .. و احترمْ موتي قليلا ) وحده الشاعر عيسى الشيخ حسن وضع بعد القول رصاصتين ، لأنه يعرف أن القذيفة تموت لحظة إطلاقها ، ويعرف أن الهدوء الذي تسبقه العاصفة ينتظرنا على الطرف الآخر من الموت ، وبقي يبحث عن : الهدوء الذي نحتاجه ، لننشر هذا البكاء ، على سطح البيت كي ينشف ) . للحزن الجزيل أسئلة يثيرها عبد الله الحامدي ، كلما فُتحت نوافذ الشوق 🙁 إلى متى يا وطني تهجرني ؟ أبحث عنك تحت مخدتي فلا أجد غير ظلك ) ، فالحب يمكن له أن يعيش على القليل ، إلا أنه لا يشبع من الكثير ، والوطن إن لم يكن حالة حب ، فهو مجرد مساحة ، لا تستحقها سوى كتب الجغرافيا ، وقد انخدعنا في وطننا الجغرافيّ ردحاً طويلا من الزمن ، وصار لزاماً علينا ، ولا بدّ من مراجعة تأخذ باعتبارها نبوءة الشعراء بعد أن ضيّع إيماننا طريقه إلى الله !! وخاصة أولئك الذين لامست الذكريات بحوافها الحادة طفولتهم التي راعها شيبهم المبكر ، وأدركتهم الأسئلة ، التي أثارها محمد علاء الدين عبد المولى : ( كنّا نعيش – نفرح- نتألم – نرحل: بالتقسيط . الموت فاجأنا دفعة واحدة ، من كشف له الرقم السريّ لبنك خرابنا ؟ ) .

شاهد أيضاً

الجمعة.. انطلاق الموسم الافتتاحي من بطولة رابطة المقاتلين المحترفين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الرياض

تعرض مباشرة على قناة MBC أكشن ومنصة شاهد أعلنت رابطة المقاتلين المحترفين (PFL)، الدوري الرياضي …